بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين
الشكر، كل الشكر، لمفوضية الاتحاد الافريقي، وللدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي، إلى جانب الدول الأفارقة الأعضاء في مجلس الأمن الأممي، أو ما صار يُعرف بمجموعة الـA3، وكذا جميع الدول الشريكة والصديقة على وفائِهم الدائم والتزامِهم الثابت بمسار وهران.
كما لا يفوتني أن أتوجه ببالغ عبارات الشكر والثناء لكل من رئيس مجلس السلم والأمن، معالي السيد محمود علي يوسف، وزير خارجية جمهورية جيبوتي الشقيقة، وكذا مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، سعادة السيد Bankole Adeoye، على جُهودِهما اللافتة وعلى إسهامِهِما المتميز في إنجاح أشغال هذه الطبعة الجديدة من مسار وهران.
والشكر موصول كذلك لكافة السلطات المحلية في مدينة وهران الباهية على كرم الضيافة، وعلى سخاء العناية، وعلى جميع التسهيلات المُوَفرة للمساهمة في إبقاء شعلة هذا المسار مُتَوَهِجَةً وَمُتَّقِدَةً على الدوام.
لقد أضحت هذه الندوة رفيعة المستوى تقليداً سنويا ثابتاً في برنامج العمل الإفريقي المشترك وفي أجندة الاستحقاقات القارية. وإن دلَّ هذا على شيء، فإنما يدل على أن مسار وهران قد أثبتَ نجاعتَه وأهميته وفعاليته في توحيد الصوت الإفريقي على الساحة الدولية بصفة عامة، وفي مجلس الأمن الأممي على وجه الخصوص والتحديد.
وإن كنا نتحدث اليوم، بكل أريحية، وبكل اعتزاز وفخر، عن كون الأعضاء الأفارقة في مجلس الأمن يَتَمَيَّزُونَ عن غيرهم بِكَونِهِم يضطلعُون بعُهدةٍ قارية، وبكونهم يُمَثِّلُونَ بصوتِهم المُوحَّد جميعَ دول القارة، فالفضل، كل الفضل، يعود لمسار وهران الذي وحَّد الكلمة الإفريقية، ورصَّ الصف الإفريقي، وَلَمَّ الشَّمْلَ الإفريقي، وَأَذْكَى شُعْلَةَ الثِّقَة بين الدول الإفريقية.
من هذا المنظور، فقد كانت الطبعة الحادية عشر من هذا المسار فرصةً مُواتية لتعزيز هذه المكتسبات، فضلاً عن استعراض جُملةٍ من المواضيع التي تَتَصَدَّرُ اهتماماتِ قارتِنا الإفريقية في المرحلة الراهنة. ويتعلقُ الأمر بثلاث مسائل رئيسية:
- أولاً، مسألة مكافحة الإرهاب. وَرَكَّزَ طرحُ هذا الموضوع على التطورات الأخيرة التي تُفيد أن انحسار هذه الآفة في باقي أرجاء المعمورة، قد قُوبِل بتعاظُمِها بشكل مقلق في القارة الإفريقية، وبالخصوص في منطقة الساحل الصحراوي.
ودون أي مبالغة، فقد أصبح الإرهاب يمثل في أيامِنا هذه التهديدَ الأكبرَ والأبرزَ لأمنِ واستقرارِ إفريقيا. وبالتالي، من الأهمية بمكان أن تُعيدَ قارتُنا الإفريقية ترتيبَ أولوياتِها وأن تُكيِّفَ استراتيجيتَها لتتمكن من مُسايرةِ أخطارِ الإرهابِ المتزايدة التي تتربص بها.
ومن جانبها، فقد أكدت الجزائر التزامَها بمواصلةِ تنسيق الجهود القارية في هذا المجال، تحت قيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بصفته رائد الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بكل أشكاله وأبعادِه.
- ثانياً، مسألة إصلاح مجلس الأمن الأممي. وهي المسألة التي تشهدُ تحركاتٍ واعدة غَيْرِ مسبوقة، لاسيما في سياق الاعتراف المُتزايد بشرعية ومشروعية المطالب الإفريقية بتمثيلٍ دائمٍ في مجلس الأمن وتقوية تمثيلها غير الدائم بذات المجلس.
وفي اعتقادنا، فإن هناك زَخَماً إيجابياً يَقَعُ علينا اليوم استثمارُهُ أحسنَ استثمار لتحقيقِ مكاسبَ جديدة على دربِ إنهاء الظلم التاريخي الذي تتعرض له إفريقيا على الساحة الدولية.
ومثلما تَمَكَّنَتْ قارتُنا من افتكاكِ عُضويةٍ دائمة بمجموعة العشرين، فإنه كذلك بمقدورِها أن تُحقِّقَ مَطالِبَها بِنَيْلِ مقعدين دائمين بمجلس الأمن ومقعَدَيْنِ إضافيين غير دائمين بذات المجلس. وقناعتُنا تبقى راسخة من أن المتضرر من تهميش إفريقيا في مجلس الأمن، ليست إفريقيا لوحدها، وإنما المجموعة الدولية برمتها، ومن ورائها منظومة الأمن الجماعي بأكملها.
- ثالثاً وأخيراً، مسألة تمويل عمليات دعم السلام التي يُقِرُّهَا الاتحاد الإفريقي. وهي المسألة التي تُؤكد التزام قارتِنا بتقديمِ مُساهمة مُعتبرة وحاسمة في منظومة الأمن الجماعي على النحو المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
فأمام النقائص التي طالت النموذج الأممي لعمليات حفظ السلام على الأراضي الإفريقية، بادرت منظمتُنا القارية بتقديم نَمُوذَجٍ بَدِيلٍ يَقُومُ على عمليات أَكْثَرَ جُرْأَةً في التصدي للأخطار التي تواجهها الدول الإفريقية، وبالخصوص تلك المتعلقة بانتشار وتفشي ظاهرة الإرهاب. ومطالبُنا في هذا الإطار تتمثل في أَنَّ تمويلَ هذه العمليات يجب أن يتم عبر ميزانية الأمم المتحدة، لأن تحرك الاتحاد الإفريقي في مثل هذه الحالات لا يعفي مُنظمتَنا الأممية من مسؤوليتِها في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وبصفة عامة، وحول كل هذه المواضيع وغيرِها، لا يسعني إلا أن أَجزمَ أَنَّ نقاشاتِنا كانت ثرية، وأَنَّ مُباحثاتِنا كانت بناءة، وأن نتائجَنا كانت توافقية بامتياز. وهي النتائج التي سيتم عرضُها على القمة المقبلة للاتحاد الإفريقي، ضمن مقاربةٍ تهدف لتعزيز العمل الإفريقي المشترك في مواجهة التحديات التي تختبرُ في هذا الظرف بالذات إرادَتَنَا وعزيمَتَنَا. وذاتُ المقاربة سَتُمَكِّنُنَا لامحالة من استغلالِ الفُرَصِ الماثِلة أمامَنا من أجل إعلاءِ صوتِ إفريقيا وتعزيز دورِها في صُنع القرارات الدولية، لاسيما تلك التي تعنيها بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
والأهم من كل هذا وذاك، أن هذه الدورة قد أثبتت مرةً أخرى أن مسار وهران مُتواصل، وأن مسار وهران مُترسخ ومُتجذر، وأن مسار وهران لا رجعة فيه إلى غاية تحقيق الأهداف المرجوة منه كاملةً غير مبتورة.
شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.